يتناول هذا الموضوع واقع الموارد البشرية في الجهات الخيرية بنوعيها:
- الكفاءات والقيادات "توظيف – تطوع"
- الفئة العاملة "توظيف – تطوع"
تعاني الجهات الخيرية بشكل عام من مشكلات تتعلق بالموارد البشرية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
(1) ضعف النضج الوظيفي:
يتحدد النضج الوظيفي بناء على بعدي الكفاءة والدافعية للموظف، وبشكل عام تعاني أغلب الجهات الخيرية من ضعف في هذا المجال من أبرز مظاهره مشكلة دوران الوظيفة [1] وضعف إنتاجية الموظف ولذلك أسباب منها:
- تدني الرواتب التي تقدمها الجهات للموظفين.
- تدني مؤهلات الموظفين الذين تستقطبهم الجهات مما يتسبب في تأخر النضج الوظيفي.
- شعور الموظف بعدم الأمان الوظيفي بسبب عدم وجود أنظمة ولوائح تحفظ حقوقهم وتهيئ لهم تطوير أنفسهم، أو عدم فاعليتها إذا وجدت.
- أغلب الجهات الخيرية تعمل بنظام الدوامين وهو نظام غير محبذ لدى كثير من الشباب السعودي.
- صعوبة حصول الجهات الخيرية على تأشيرات عمل.
(2) ضعف استقطاب الكفاءات:
إذا استبعدنا القطاع الحكومي فإن القطاع الخاص هو المنافس الرئيسي للقطاع الخيري على الموارد البشرية، وعلى الجهات الخيرية أن تقيس أداءها مقارنة بهذا القطاع.
الكفاءات التي تقود العمل الخيري هي كفاءات متطوعة غالبا أو تعمل بنظام الدوام الجزئي برواتب متواضعة، وفي كلا الحالتين فإن الجهات الخيرية تعمل بنصف طاقتها التشغيلية أو أقل خاصةً إذا أخذنا بالاعتبار ضعف كفاءة الفئة العاملة.
النجاح إدارة، والفشل كذلك! وإذا لم تقتنع قيادات العمل الخيري بأهمية استقطاب الكفاءات والإنفاق عليها بسخاء وإذا لم تؤمن بأن الاستثمار برأس المال البشري طريقها للنجاح والتفوق فإنها ستتراجع على المدى البعيد.
إنّ المطَّلِع على واقع مجالس إدارات الجهات الخيرية والقرارت الصادرة عنها يلحظ – بأسى – مدى اهتمام القيادات على تنمية الموارد المالية والاستثمارات على حساب الموارد البشرية والمنتجات الرسالية [2].
(3) استراتيجية الربح في الأجل القصير:
تركز هذه الاستراتيجية على الربح السريع والنجاحات الوقتية، وهي إحدى استراتيجيات الاستقرار[3]، فتلجأ الجهة التي تعمل على هذه الاستراتيجية إلى تخفيض تكاليف البحوث والتطوير والإعلانات، مما يزيد رأس مالها مؤقتا ؛ إلا أن هذه الاستراتيجية لو استمرت فستوصل إلى الإفلاس!.
للأسف فإن أغلب الجهات الخيرية تعمل بهذه الاستراتيجية مع أن لدى كثير منها أصولا متداولة تزيد عن الحد الطبيعي بكثير[4]، ويرجع السبب في ذلك غالبا إلى ضعف الوعي الإداري لدى القيادات حيث يعتقد كثير منهم أن الإنفاق بسخاء على الدراسات والتدريب والإعلام إهدار لأموال المسلمين وتبرعات المحسنين!.
(4) ضعف البناء المؤسسي:
في الوقت الذي تُشَن فيه هجمات إعلامية لا هوادة فيها على العمل الخيري والجهات الخيرية تحتل الجهات الخيرية – للأسف – مرتبة متأخرة في السلوك الإداري والتنظيمي والاهتمام بنضج العاملين ورضا المتعاملين؛ وكل هذه العوامل تؤثر سلبا بلا شك على استقطاب الموارد البشرية لهذا القطاع، ومن أبرز مظاهر هذه المشكلة:
- إدارة الجهة بالمشيخة في مقابل العمل المؤسسي وتوزيع الصلاحيات.
- اهتمام مجالس الإدارة بأمور تنفيذية كمخططات البناء أو تنظيم الحفلات.
- عدم وجود أنظمة ولوائح وأدلة للموارد البشرية منشورة ومتداولة بين الموظفين.
- عدم وجود وحدات متخصصة ومحترفة في استقطاب وتطوير الموارد البشرية.
(5) نموذج المدير المتطوع:
إدارة العمل من خلال المتطوعين هو نموذج عمل اعتمدت عليه الجهات الخيرية منذ نشأتها فحقق لها نجاحات باهرة في وقتٍ كانت الموارد المالية والبشرية شحيحة، إلا أن المتطوع قبل عشرين سنة يختلف عن متطوع هذا الزمان! فلا الجهد هو الجهد ولا الاحتساب ولا متطلبات الحياة والمعيشة هي نفسها..
الجهات الخيرية مازالت مصرة على العمل بهذا النموذج الذي حقق لها النجاح في فترة سابقة مع أن الظروف اختلفت كليا! وهنا تكمن المشكلة الحقيقية حيث يجب على الجهات أن تنتقل من نموذج "المتطوع المدير" إلى "المتطوع المشارك" أي على قاعدة: "العمل الدائم والمستمر للموظفين والعمل الجزئي للمتطوعين" .
إن هذا التغيير يتطلب توظيف كوادر محترفة مهتمة باستقطاب المتطوعين وتنظيمهم ونشر ثقافة "القليل المستمر" في أوساط المجتمع عامة والشباب خاصة، وهو مالم تفعله الجهات الخيرية.
وبناء على ما سبق فإن علاج هذه المشكلات يتطلب مبادرات عدة تعالج :
- وعي القيادات.
- استقطاب الكفاءات وتأهيل العاملين.
- تحسين البيئة التنظيمية في الجهات الخيرية
===============
[1] يقصد بدوران الوظيفة: عدم ثبات الموظف على الوظيفة بسبب مشكلة ما وليس بتخطيط من الجهة، فالوظيفة التي يتعين عليها أكثر من شخص في سنة واحدة أو في سنتين تؤثر سلبا على المنظمة من جهة تكلفة تدريب الموظف الجديد ومن جهة ضعف المنتج.
[2] المنتج الرسالي هو: المنتج المرتبط برسالة الجهة كمساعدة الفقراء وتحفيظ القرآن والذي يجب على الجهات الاهتمام بتحسينه وتطويره وقياس مدى مناسبته للمستفيدين وتغطيته لحاجاتهم.
[3] تنقسم الاستراتيجيات من جهة النمو إلى ثلاث أقسام رئيسة: استراتيجيات توسع، واستراتيجيات انكماش، واستراتيجيات استقرار.
[4] من خلال اطلاعنا على القوائم المالية لكثير من الجهات الخيرية وجدنا أن أصولها المتداولة تزيد عن خصومها المتداولة بنسبة 1 إلى 6 أو أكثر من ذلك، مع أن الحد الطبيعي للسيولة هو 1 إلى 2.
ليست هناك تعليقات:
أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال