نظريات القيادة (11)
يرى الصياد، وعبدالغفار (1992م) أن القيادة «ليست ميزة في شخص القائد ذاته، ولكنها محصلة لمركب معقد متفاعل من الفرد بمميزاته والمجموعة بظروفها وعلاقاتها وظروف التنظيم» (ص54).
ويرى الباحث أن ثمة عوامل مترابطة ومتداخلة تتحكم في نجاح القيادة، وهي:
1) سمات القائد الشخصية:
بقدر ما تتوفر في القائد السمات القيادية ينجح في قيادته. وقد مرَّ أبرز السمات القيادية التي يتفق عليها الباحثون، وتبقى سمات أخرى مجالاً للدراسة والبحث.. كما مر أيضاً الحديث عن أنماط الشخصية (نظرية جون ماينر، ونظرية مايرز بريقز) وعلاقتها بالقيادة..
ويدخل في هذا الباب جنس القائد، فالمرأة – عموماً – أقدر على المستويات الإدارية الدنيا منها على المستويات الإدارية العليا ، وهذا ما يؤكده تراثنا الإسلامي، وتشهد به التجربة..
فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (البخاري، ط1420هـ،ج13 ص337)، والحديث دلالته واضحة في عدم مناسبة المرأة للمستويات العليا من القيادة كالولاية العظمى، لكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشهد للمرأة برعايتها لمنـزلها ويحمِّلها تبعات إدارة المنـزل ففي صحيح البخاري (ط1420هـ، ج3 ص414) عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ - قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: - وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
أما التجربة: فتأمُّلٌ منصفٌ لنسبةِ مَن تولى رئاسة الدول والشركات الكبرى عبر التاريخ القديم والحديث يدل على ما ذكره الباحث.. ومع أن الدراسات الغربية متحيزة في هذا المجال إلا أن أياً منها لم يجب إجابة شافية على السؤال التالي: لماذا لا يصل إلى القمة إلا عدد قليل من القادة النساء؟ (هاوس١٤٢٧هـ).
وفي الواقع التعليمي فإنَّ هذا العامل "السمات الشخصية" يؤكِّد على أهمية اختبار المعلم والتأكد من استعداداته الشخصية قبل ترشيحه لإدارة المدرسة، فالأقدمية والخبرة المهنية والمؤهل الدراسي ليست هي العوامل الحاسمة في ترشيح المدير (الصياد، وعبدالغفار، 1992م).
2) نمط القائد السلوكي:
مَرّ الحديث عن الأنماط السلوكية التي يمارسها القادة (فوضوي،اجتماعي، ديكتاتوري، قائد الفريق، متأرجح) وباستثناء القائد الفوضوي فإن الباحث يرى أننا لا نستطيع الحكم على ممارسات القادة - مهما كانت سلوكياتهم - بالنجاح أو الفشل بشكل مطلق، فقد يمارس القائد ممارسة ديكتاتورية لظروف تتعلق بخطورة المهمة أو مدتها أو طبيعة العاملين، وقد يمارس دور قائد النادي الاجتماعي لنفس الأسباب.
3) تأهيل القائد:
للقيادة أدبيات ونظريات، إذا أحاط بها القائد ومارسها بوعي، انعكس ذلك على أدائه، وساهم في نجاحه، مما يؤكد على أهمية تدريب المعلم أو الموظف قبل تكليفه بمهمة الإدارة ، لأن الإعداد الجامعي غالباً لا يركز على تأهيله في الجانب الإداري (القرشي1411هـ، الغامدي، والغامدي 1421هـ).
ويدخل في هذا الباب مستوى التأهيل الفني للقائد حسب مجال تخصصه، وفي التعليم يُفترض أن يكون مدير المدرسة على مستوىً تربويٍ عالٍ كي ينال احترام معلميه، ويتمكن من رفع مستواهم التربوي، ويسهم بشكل فاعل في تحقيق أهداف العملية التعليمية.
وبشكل عام فإن القائد المتعلم المطَّلع أقدر على القيادة ممن يمتلك سمات القيادة لكنه جاهل.
4) خبرة القائد:
الخبرة مخزون من التجارب يولِّد اتجاها عاماً لدى القائد، وقناعات محددة ورؤى للتعامل مع المواقف والأشخاص؛ ولكي يستفيد القائد من خبراته بشكل فاعل ينصح بتقييدها وعرضها على من ينقدها ويمحصها، كما يجدر التنبيه هنا أنَّ مِن القادة مَن يُكرِّر نفسه، ولا يستفيد كثيراً من خبراته، وأحياناً يكون القائد حبيساً لقناعاته غير قادر على التجديد والإبداع.
5) منح السلطة والصلاحيات للقائد:
القائد بلا صلاحيات كالفارس المُقيَّد، لا يستفاد منه الفائدة المرجوة.
وعدم منح الصلاحيات مشكلة يعاني منها مديرو المدارس في كثير من الدول النامية، ففي الوقت الذي تُلقى على كواهلهم مسؤوليات كبيرة فإنهم لا يمنحون في مقابل ذلك صلاحيات تساعدهم على أداء أعمالهم، وقد أوضحت دراسة قام بها المنيع (1998م) أن أهم الصعوبات التي تواجه مديري المدارس الابتدائية في المملكة العربية السعودية هي الصعوبات الإدارية التي كان من أبرزها: كثرة التعميمات، وعدم وجود صلاحيات تتناسب مع دور المدير في المدرسة.
ومن خلال الاطلاع على اللوائح والممارسة العملية يعتقد الباحث أن الصلاحيات الممنوحة لمديري المدارس صلاحيات هامشية، وأن تغيير اللوحة المعلَّقة بجانب باب غرفة (مدير المدرسة) إلى (القائد التربوي) لن يغيِّر في واقع الحال شيئاً يُذكر ما لم نمنح هذا القائد مساحة أوسع من الحرية لممارسة دوره القيادي.
وللحديث صلة..
======
هذا المقال في الأصل جزء من البحث التكميلي لنيل درجة الماجستير في الإدارة التربوية من جامعة الإمام.
المراجع:
- البخاري، محمد بن إسماعيل (1420هـ). صحيح البخاري، الرياض: دار السلام.
- الصياد، العاطي أحمد، وعبدالغفار، أحلام رجب (1992م). الإدارة المدرسية وعلاقتها بالرضا الوظيفي للمعلم دراسة ميدانية. مجلة التربية والتنمية،(1)، 51-79.
- الغامدي، عبدالله مغرم، والغامدي، حمدان أحمد (1421هـ). تقويم برامج تدريب مديري المدارس أثناء الخدمة ومدى تحقيقها لأهدافها من وجهة نظر المتدربين في ضوء بعض المتغيرات. مجلة رسالة الخليج العربي، (76)، 57-111.
- القرشي، حسان ضيف الله (1411هـ). أثر مدة التدريب أثناء الخدمة على رفع كفاية مدير المدرسة. مجلة جامعة أم القرى، (4)، 203-239
- المنيع، محمد عبدالله (1988م). بعض الصعوبات التي تواجه مديري المدارس في المرحلة الابتدائية في المملكة العربية السعودية. المجلة التربوية بجامعة الكويت، 5 (17)، 237-253.
- هاوس، بيترج نورث (١٤٢٧هـ) القيادة الإدارية النظرية والتطبيق، ترجمة: المعيوف، صلاح معاذ، الرياض: معهد الإدارة.
جزاك الله خيرا
ردحذف