الاستحاضة
هي دم يشبه الحيض وليس بحيض، بل هو دم عرق وفساد لاينقطع إلا بالبرء منه.
جاء في الاستحاضة أحاديث صحيحة، واستحيضت في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم عددٌ من النسوة كما يلي:
1) فاطمة بنت أبي حبيش:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِى حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ فَقَالَ «لاَ إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِى الصَّلاَةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِى عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّى». متفق عليه [صحيح البخاري 1/84، صحيح مسلم1/180] وفي رواية «وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا» [صحيح البخاري1/89].
وعَنْ عُرْوَةَ بن الزُّبَيرِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَتْ إِلَيْهِ الدَّمَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَانْظُرِي إِذَا أَتَاكِ قُرْؤُكِ فَلَا تُصَلِّ فَإِذَا مَرَّ قُرْؤُكِ فَتَطَهَّرِي ثُمَّ صَلِّي مَا بَيْنَ الْقُرْءِ إِلَى الْقُرْءِ» رواه أبوداود والنسائي [سنن النسائي1/348].
وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِى حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِى عَنِ الصَّلاَةِ فَإِذَا كَانَ الآخَرُ فَتَوَضَّئِى وَصَلِّى» رواه أبوداود والنسائي[سنن أبي داود1/121]
2) أم حبيبة بنت جحش، أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش، اشتهرت بكنيتها، وهي زوج عبدالرحمن بن عوف، استحيضت سبع سنوات:
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتِ اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّى أُسْتَحَاضُ، فَقَالَ «إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِى ثُمَّ صَلِّى». فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ. قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ وَلَكِنَّهُ شَىْءٌ فَعَلَتْهُ هِىَ. [صحيح مسلم1/180].
3) حمنة بنت جحش أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش، كانت زوج مصعب بن عمير ثم قتل عنها يوم أحد فتزوجها طلحة بن عبيد الله:
عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا. [سنن أبي داود1/122] وحسنه الألباني [صحيح سنن أبي داود 2/116].
ولحمنةَ حديثٌ في استحاضتها ضعيفٌ مع أنه مشهور عند الفقهاء:
عن عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَتْ: كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَأْمُرُنِي فِيهَا، فَقَدْ مَنَعَتْنِي الصِّيَامَ وَالصَّلاَةَ؟ قَالَ: «أَنْعَتُ لَكِ الكُرْسُفَ ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ» قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَتَلَجَّمِي» قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَاتَّخِذِي ثَوْبًا» قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ: أَيَّهُمَا صَنَعْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ» فَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي، فَإِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ ثَلاَثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، وَصُومِي وَصَلِّي، فَإِنَّ ذَلِكِ يُجْزِئُكِ، وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي، كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَكَمَا يَطْهُرْنَ، لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي العَصْرَ ،ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ حِينَ تَطْهُرِينَ، وَتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ، وَتُعَجِّلِينَ العِشَاءَ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ، وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ، فَافْعَلِي، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الصُّبْحِ وَتُصَلِّينَ ، وَكَذَلِكِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَوِيتِ عَلَى ذَلِكَ» فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَهُوَ أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ». رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. [سنن الترمذي1/188، 189]
ومدار الحديث على عبدالله بن محمد بن عقيل، قال عنه الدار قطني: ليس بالقوي، وقال الخطَابي: وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث، لأنَّ ابن عَقيل- راويه- ليس بذاك، وقال البيهقي: تفرد به عبدالله بن محمد بن عَقيل، وهو مختلفٌ في الاحتجاج به، وقال عبد الرَحمن بن أبي حاتم: سألتُ أبي عن حديثٍ رواه ابن عَقيل عن إبراهيم بن محمد عن عمران بن طلحة عن أمه حَمنة بنت جَحشِ في الحيض، فوهَنه ولم يقوِّ إسناده [تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي1/406] ورواه أبو داود في سننه وقال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ – يَعنِي ابنَ حَنبَل – يَقُولُ: حَدِيثُ ابْنِ عَقِيلٍ فِى نَفْسِى مِنْهُ شَىْءٌ. [سنن أبي داود1/116]
4) امرأةٌ مِن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت استحاضتها لوقت، قيل هي زينب بنت جحش، وقيل هي سودة، وقيل أم سلمة [فتح الباري – ابن حجر 1/411]:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ اعْتَكَفَتْ وَهْيَ مُسْتَحَاضَةٌ. [صحيح البخاري1/85].
حكم المستحاضة:
لا تُمنَع مِن الصلاة ولا الصيام ولا الاعتكاف – بشرط أن تضمن عدم تلويث المسجد – ولا تمنع مَن الجماع حال استحاضتها، ولا يلزمها أن تتوضأ لكل صلاة فإن فعلت خروجاً من الخلاف فلا بأس، فإذا جاءها الحيض فعلت كما تفعل الحائض وإذا انتهى تغتسل وتصلي.
كيف تفرِّق المرأة بين الحيض والاستحاضة؟
النساء في هذا على أقسام:
(1) مميِّزة: وهي التي تستطيع التمييز بين دم الحيضِ ودم الاستحاضة، فإن لم تستطع التمييز فهي غير مميِّزة.
(2) معتادة: وهي التي تعرف شهرها ووقت حيضها ووقت طُهرها، فإن اختلط عليها الحساب فهي غير معتادة.
(3) متحيِّرة: وهي التي نسيت الوقتَ والعدد، فلا تذكرُ وقتَ حيضِها ولا مُدتَّه، ولا تستطيعُ التمييز. سُمِّيت بذلك لأنَّ أمرَها محيِّر، وقد تحيَّر الفقهاءُ في حلِّ مشكلتها حتى ألّفَ فيها الدارمي مجلَّداً ضخماً.
(4) مبتدَأة: وهي التي تحيض لأول مَرَّة فليس لها عادة، ولاتستطيع غالباً التمييز.
فصارت القسمة خماسية: معتادة غير مميِّزة، ومميِّزة غير معتادة، ومعتادة مميِّزة، ومتحيرة، ومبتدأة.
وسنوجِزُ الحكم في كل قسم بعون الله:
أما المعتادة غير المميزة فلا إشكال أنها تجلس مقدار عادتها ثم تغتسل وتصلي، للأدلة السابقة ، وهو قول الجمهور، وكذا فإن المميِّزة غير المعتادة تعملُ بالتمييز لأنه الممكن في حقها. أما المعتادة المميِّزة فاختُلِف فيها على قولين، والصواب أنها تعملُ بالتمييز لأنه أدق.
مسألة:
وهنا مسألة تحدث أحياناً للنساء إذ يستمر معهن دم الحيض أو النفاس أكثر من العادة، فإنهن يجلسن حتى يتبين لهن أنه استحاضة، مثاله: امرأةٌ حيضها ستة أيام فاستمر الدم معها سبعة أيام أو أكثر من ذلك، فنقول لها: تنظُر إلى الدم الذي زاد عن عادتها فإن كان دم حيض فتترك الصلاة والصيام له، وإن كان لونه ورائحته غير دم الحيض فإنها تغتسل وتصلي، والنساءُ أقدرُ على التفريق في ذلك.
أما المتحيِّرة فالصواب أنها تتحرَّى قدر استطاعتها لون الدم ورائحته ، وتتحرى وقت الحيض ومدته قبل أن يطرأ عليها المرض ، وتجتهد في ذلك ثم تبني عليه تقريباً وترجيحاً، والله أعلم بالصواب.
أما المبتدَأة فإن استطاعت التمييز عَمِلَت به، وإن لم تستطع فإنها تنظر حال أغلب قريباتها كأمها وخالتها وأختها، وتبني عليه، فإن كان غالب قريباتها يحضن سبعة أيام فإنها تحسب من ابتداء الحيض سبعة أيام ثم تغتسل وتصلي.
وخلاصة الأمر أنَّ المُقدَّم التمييز ثم العادة، وأن المرأة تجتهد ما تستطيع ((لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)) [البقرة : 286] .
تمت بحمد الله أبوب (فقه الطهارة المُيسَّر).
ليست هناك تعليقات:
أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال