واقع اتخاذ القرارات في مؤسساتنا التربوية (*)

واقع اتخاذ القرارات في مؤسساتنا التربوية (*)

مفهوم اتخاذ القرار :
توضح مفتي (1415هـ) مفهوم اتخاذ القرار بأن: «تكون هناك مشكلة إدارية تتطلب حلاً معيناً، وأن يكون هناك حلول متعددة لمواجهتها تطرح للنقاش ويتم دراستها وتصميمها حتى يتم اختيار الحل الأكثر ملائمة والذي يمكن تنفيذه بأقل تكلفة وأكبر عائد» (ص18).
ويفرق المالكي (1418هـ) بين صناعة القرار واتخاذه، فصناعة القرار تعني: «الخطوات اللازمة لخروج القرار بصورته النهائية بدءاً من التعرف على المشكلة وحتى الوصول إلى اتخاذ القرار»(ص8)، أما اتخاذ القرار فيعني: «الخطوة الأخيرة لاختيار أحد الحلول المطروحة بالنسبة لقضية تربوية معينة في إطار صلاحيات القائمين بالعمل في المدرسة سواء أكان ذلك من مدير المدرسة منفرداً أو بمشاركة المعلمين معه»(ص9).

مراحل اتخاذ القرار:
تمر القرارات بثلاث مراحل(المالكي 1418هـ، ص 26):
1) صنع القرار.
2) اتخاذ القرار.
3) تنفيذ القرار.
ويعتقد الباحث أن أكبر مشكلة تعانيها مؤسساتنا التربوية هي في المرحلة الثالثة، فإن القرار لن ينجح مالم يلتزم به الجميع وينفذونه على الوجه الصحيح (باركر1998م،ص 48) ومن الأمثلة القريبة على ذلك القرار الذي اتخذته وزارة التربية والتعليم في تحويل طريقة التقويم في المرحلة الابتدائية إلى طريقة التقويم المستمر، دون أن تهيئ الرأي العام لذلك ، ودون أن تدرب المعلمين على طريقة التقويم المستمر.

ومن الأمثلة على ذلك القرار الذي اتخذته الوزارة بشأن إلغاء إجازة معلمي الصفوف الأولية، ثم تراجعت عنه بعد ازدياد الضغوط عليها.
ومن الأمثلة أيضاً القرار الذي اتخذته الوزارة، بشأن إلغاء المركزية المطلقة للنقل الخارجي، وتفويض إدارات التعليم بإجراء النقل الداخلي للمنقولين خارجيا، ثم تراجعت عنه بعد مطالبات المعلمين بإبقاء المركزية في هذا الموضوع ضمانا لعدم التلاعب في النقل الخارجي للمحافظات والمراكز التابعة للمناطق التعليمية.
وأحيانا تُتخذ قرارات وزارية لم تتم صناعتها بشكل تام!، ومن ذلك قرار وزير التربية والتعليم القاضي برجوع المشرفين التربويين الملتحقين بالبرامج التدريبية الفصلية إلى مدارسهم بعد انتهائهم من الدورات! وقد تبين للمشرفين أن هذا القرار صدر من مكتب الوزير دون أن يمر بالمسئول المباشر عن الموضوع وهو مدير إدارة الإشراف التربوي بالوزارة مما أدى إلى تراجع الوزير عن هذا القرار أيضاً بعد اعتراض ذلك المسئول.

أساليب اتخاذ القرار:
يمكن حصر أساليب اتخاذ القرار بما يلي (المالكي 1418هـ، ص ص 20، 25):
1) أسلوب الخبرة.
2) أسلوب المشاهدة.
3) أسلوب التجربة.
4) الأسلوب العلمي، وخطواته:
‌أ - تحديد المشكلة.
‌ب-تحليل المشكلة، أي الفهم الدقيق لها وإخراج الاحترازات وما ليس منها.
‌ج-إيجاد بدائل لحلة المشكلة.
‌د-تقويم البدائل.
‌هـ-اختيار الحل الملائم للمشكلة.
‌و-متابعة تنفيذ القرار.

وقد تبين في دراسة المالكي (1418هـ، ص103) أن أبرز الأساليب التي يتبعها مديرو المدارس الثانوية هي: الخبرة الشخصية، ثم الأسلوب العلمي.
وهو يؤكد أيضاً أن بعض المديرين يتخذون القرارات بطريقة غير مدروسة، ثم يستدرك فيعتذر لمدير المدرسة بأنه يتخذ القرار في ظروف قد لاتساعده على اتخاذه بطريقة صحيحة. (المالكي 1418هـ، ص4)

وفي دراستها توضح مفتي (1415هـ، ص ص 89، 90) أبرز العوامل المؤثرة في صنع القرار المدرسي لدى مديرات مدارس المرحلة الابتدائية وهي:
1) عوامل شخصية، تتمثل في : جمع المعلومات وتحليلها والخبرات والتجارب التي مرت بها مديرة المدرسة والإمكانات المدرسية.
2) عوامل تنظيمية، تتمثل في: اللوائح والأنظمة والتعاميم والاستنتاج من التقارير والاتصال الرسمي وغير الرسمي.
3) عوامل اجتماعية، تتمثل في: القيم، والظروف الطبيعية، والعادات، والتقاليد، وتوصيات مجالس أولياء الأمور.
والباحث يرى أهمية التأمل في كون توصيات مجالس أولياء الأمور مؤثرة في صنع القرار.

مشكلات اتخاذ القرار:
في أرض الواقع تعاني المؤسسات مجموعة من المشكلات في اتخاذ القرارات يمكن إجمالها فيما يلي (كنعان 1995م، ص ص 317،328):
1) المركزية الشديدة والتفويض.
2) الوضع التنظيمي للأجهزة الإدارية.
3) البيروقراطية وتباين وتعقد الإجراءات.
4) التخطيط غير السليم.
5) غموض وجمود الأنظمة واللوائح.

وفي دراسة المالكي (1418هـ، ص103) تبين أن أبرز المعوقات التي تواجه مديري المدارس الثانوية في اتخاذ القرارات: غموض الأهداف، وقلة توفر المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات.

وفي دراسة الصايغ (1410هـ، ص3، ص122) لاترى الباحثة تناسباً بين الصلاحيات وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق مديرة المدرسة، وأوصت أن تمنح الرئاسة العامة لتعليم البنات مديرات المدارس صلاحيات مقارنة بالمسؤوليات الملقاة عليهن فيما يتعلق بمدخلات ومخرجات العملية التعليمية وضبط السلوك خاصة فيما يمارس بصورة روتينية في مجال التنفيذ الميداني في مدارس تعليم البنات. كما أوصت أن يتم اختيار مديرات المدارس وفق معايير معينة تؤهلها لقيادة العمل الإداري وتدريبهن لتطوير قدراتهن في هذا المجال. كما أوصت بتوصيف وظيفة مديرة المدرسة وتوضيح واجباتها ومسؤولياتها والصلاحيات التي تستطيع ممارستها.
وفيما يتعلق بإدارة التعليم ترى الصائغ (1410هـ، ص19) أن من أهم المشكلات التي تواجه الإدارات التعليمية هي عدم تفويض صلاحيات كافية من الوزارة لإدارات التعليم ، وعدم وضوح الاختصاص لمديري الإدارات ومديري المدارس.

ويرى سليمان وضحاوي (1998م، ص 93) أن الغالب في النمط الإداري على المستوى التعليمي هو النمط المركزي، وتعاني منظومتنا التعليمية مجموعة من المشكلات الإدارية أهمها البيروقراطية والمركزية.

ويرى الحارثي (1424هـ، ص122) أنه لابد أن تتوفر في الإدارة المدرسية مجموعة من المقومات من أهمها: الاستقلالية المالية والإدارية ، ومنح المدير الصلاحيات الواسعة ، ولامركزية الإدارة.

تجارب الدول المتقدمة في مجال اتخاذ القرار:
يذكر المالكي (1418هـ، ص ص 38، 39) نموذجين في عملية اتخاذ القرار في الفكر المعاصر هما:

النموذج الياباني: ويركز على تحديد المشكلة أكثر من تركيزه على إيجاد الحل، ويركز على البدائل أكثر من تركيزه على اختيار الحل الصائب.

النموذج الآخر هو النموذج السائد في أميركا: ويركز على ضرورة إقناع الناس بالقرار لتنفيذه.

فاليابانيون يركزون على فهم المشكلة أولاً وليس على البحث عن حل لها، بينما يركز الأمريكيون اهتمامهم على البحث عن الحل المناسب للمشكلة دون التعمق في دراستها وتحليلها واستقصاء جوانبها..
وبناء على ما سبق ففعالية اليابانيين أكبر في تنفيذ القرار أما الأمريكيون ففعاليتهم اقل في التنفيذ لعدم استيعاب المشكلة.

وفي الساحة العديد من التجارب الرائدة في هذا الباب، منها(الحارثي 1424هـ، ص ص 213، 216):
(1) تجربة بريطانيا للإصلاح التربوي: حيث وضعت منهجاً وطنيا له مواصفات ومعايير واختبارات مقننة لتحديد المستوى ، وتركت للمدرسة حرية وضع خططها التعليمية، وفي هذه التجربة مجال واسع للعمل يتسق مع اللامركزية التي يعيشها النظام التعليمي البريطاني.
(2) تجربة استراليا لإصلاح التعليم: حيث وضعت خطة شاملة لإصلاح التعليم، وقلصت عدد مدارسها لتوفير المال الذي ستغطي به تكلفة الخطة، واستوعبت في خطتها مديري المدارس ووضعت خطة للتغلب على نقابات المعلمين المناوئة لها والرافضة لقرارها.

ويبقى السؤال قائماً: هل يمكننا أن نستفيد من تجارب الدول المتقدمة في هذا الباب؟
المشكلة ليست في النظام التعليمي وحده بل في المنظومة الإدارية بشكل عام في الدول النامية، حيث تسود فيها المركزية، والسلبية، والمحسوبيات، وغيرها من الأمراض التي تعقد طريق الإصلاح الإداري للأنظمة الحكومية..

======

(*) هذا الموضوع في الأصل ورقة مقدمة للدكتور عبدالعزيز الشثري ضمن متطلبات مادة القيادة التربوية في برنامج ماجستير التربية عام 1429هـ.

المراجع:

= باركر، ألن (1998م) كيف تنمي قدرتك على اتخاذ القرار, ت: سامي تيسير سلمان, أميركا: بيت الأفكار الدولية .
= الحارثي، إبراهيم أحمد (1424هـ) نحو إصلاح المدرسة في القرن الحادي والعشرين. الرياض: مكتبة الشقري.
= سليمان، عرفات عبدالعزيز، وضحاوي، بيومي محمد (1998م) الإدارة التربوية الحديثة . القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.
= الصائغ، نجاة محمد (1410هـ) صلاحيات مديرات المدارس في اتخاذ القرار في ضوء اللوائح التعليمية دراسة ميدانية لمديرات المرحلة المتوسطة والثانوية بمدينتي مكة وجدة التعليميتين، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير من جامعة أم القرى.
= كنعان، نواف (1995م) اتخاذ القرارات، الرياض: دار العلوم.
= المالكي، سعيد مصلح (1418هـ) عملية اتخاذ القرار الإداري في المدارس الثانوية للبنين بمحافظة الطائف بين القيود والمعوقات، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير من جامعة أم القرى.
= مفتي، ثناء أسعد درويش (1415هـ) أبرز العوامل المؤثرة في صنع القرار الإداري المدرسي لدى مديرات مدارس المرحلة الابتدائية بمدينة مكة المكرمة، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير من جامعة أم القرى.