تعريف:
هم كلُّ مَن يعمل في إطار عمل دعوي أو اجتماعي محتسباً.
أمثلة لهم:
· في السيرة: سائر الصحابة الذين شاركوا في الغزوات والإنفاق على الدعوة..
· سائر الفقهاء والعلماء على مر التاريخ الإسلامي..
صفاتهم:
ماهي أهم الصفات التي ننشدها في هؤلاء؟
بإمكاننا أن نجملها في ثلاث جوانب:
الجانب العلمي، الجانب العملي، الجانب الروحي. وسنتكلم عن كل واحد من هذه الجوانب بشيء مَن الإيجاز:
أولاً: الجانب العلمي
(1) العلم الشرعي:
على العامل تحصيل أساسيات العلوم الشرعية التي يحتاج إليها في حياته العملية، وفي برامجه الدعوية، والاجتماعية..والدعوة بلا علم ضلال (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )) . (يوسف الآية 108)..
وطلب الداعية للعلم دليل خير كما قال صلى الله عليه وسلم ((مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ)) [متفق عليه]
(2) الوعي (فقه الواقع):
الوعي بأحوال الناس، وبالمنكرات المنتشرة، وأحوال المسلمين، ومخططات الأعداء.. وغير ذلك مما يحتاجه العامل، فلا يليق بالمصلح أن يكون في واد والمدعوين في واد آخر.
كيف يحصل الوعي؟
(3) الثقافة (القراءة!!):
أول كلمة نزلت على الرسول الأمي صلى الله عليه وسلم ((اقرأ)) فما دلالات ذلك؟
- شخص يريد أن يتقن مهارة معينة فيقرأ فيها ليحقق أهدافه.
- المؤسسة الدعوية لها أهداف، والمفترض أن يقرأ العاملون ما يرتقي بهم لتحقيق تلك الأهداف، وهنا أشير إلى الدوريات الجادة كمجلة البيان، والتي صُمِّمَت فيما أظن لتطوير العاملين..
ثانياً: الجانب العملي (الحركي -المهاري)
أي معنىً للعامل إذا لم يكن منتجاً؟! وأي ثمرة ترجوها الدعوة من داعية كسول خامل..
إن نجاح المؤسسة الدعوية أو الاجتماعية متوقف على نشاط العاملين فيها.. هذا المعنى يؤكد أهمية اكتساب العامل لمهارات الاتصال وللمهارات الإدارية (وسيأتي الحديث عنها إن شاء الله)
لماذ يتسرب العاملون في بعض المؤسسات الدعوية؟
شرفٌ للمسلم أنْ ينضمّ لقافلة الإصلاح.. وقد اقتضت سُنَّةُ الله أنها لا تتوقف هذه القافلة ليلحق بها الكسالى وأصحاب الهوى..
ومع هذا فمن واجبنا تجاه إخواننا أن نسأل عنهم إذ فقدناهم،وأن نسائلهم عن أسباب تخلفهم..
الإجابات المتوقعة والتي نسمعها كثيرا من أفواه "العاطلين": صعوبة العمل.. (الدايم شديد)!!.. عدم مناسبة العمل.. عدم الراحة النفسية.. الانشغال بأمور خاصة
والحقيقة هي: حب الدنيا .. عدم الجدية.. ضعف الإيمان.. الغفلة عن وجوب العمل للدين.. وباختصار: الحقيقة هي (الغثائية) التي تعيشها أمتنا..
أمور تنمي الجانب العملي (الحركي) للعامل:
- الاحتساب: الداعية لا ينتظر ثواباً من أحد، ولا يقبض أجرته من إنسان، شعاره: (إن أجري إلا على الله).
- فقه العمل الجماعي له دور في نمو هذا الجانب: للعمل الجماعي أسسه وأصوله.. وهو مطلب أساس لنجاح الدعوة..وفقه العامل بهذه الأصول يعينه على نجاحه في عمله .. ومن أبسط الأمثلة على ذلك: مبدأ الشورى، وقبول رأي الأغلب - ما لم يخالف الشرع - وتنفيذه وإن لم يقتنع به.. كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج يوم أحد نزولا عند رغبة الشباب ومن لم يحضر بدراً..
- وضوح الهدف يجعل العامل يبذل جهده لتحقيقه والوصول إليه.. فإذا حققه أحس بسعادة النجاح.. وهنا يتأكد على المؤسسات الدعوية والاجتماعية أن توضح بشكل دائم أهدافها للعاملين.
- الراحة النفسية: الاستمتاع في العمل له دور في زيادة عطاء العامل.
- التحفيز من المسئول مهم ولو بكلمة شكر وثناء .. هدية..
- إعانة العامل على أمور دنياه له أثر واضح في تفرغه جسديا ونفسيا للعمل..
نشاط: (دراسة حالة)
همّام شاب يعمل متعاونا (في جمع التبرعات) مع إحدى جمعيات البر الخيرية، قلّ عطاؤه بشكل ملحوظ مما جعل الجمعية تستغني عن خدماته.. وقد جلس بعد ذلك دون عمل دعوي .. حتى لقي صديقه (سعيد) والذي يعمل متعاونا مع مكتب توعية الجاليات.. فدار بينهما الحوار التالي:
سعيد: أخي ما سبب تركك للعمل مع جمعية البر الخيرية؟
همام: لم أتأقلم مع المجلس الجديد للجمعية، وقد نَقلوا (فهد) من شئون المتبرعين إلى القسم الإعلامي، وكان هذا الرجل قِمّة في التعامل والأداء.. بالتأكيد كان قرار نقله خاطئاً..
سعيد: وإذا لم تتأقلم.. أتترك العمل؟! أنت تعلم أنّ مثل هذا العمل يتطلب احتسابا للأجر.. والذي هذه نيته يعمل مِن أجل العمل ويتحمل ما يأتيه من متاعب.. بالأمس كنت تنتقد عملنا في الجاليات ، واليوم لم ترق لك الجمعية.. فما الذي يناسبك؟
همام: الأعمال الدعوية كثيرة.. أوزع أشرطة وكتبا.. أليست هذه دعوة؟! أم أن الدعوة محصورة فيما ذكرت؟!
لو كنت أنت صديق (همّام) ما تحليلك لواقعه؟ وماذا ستقول له؟
ثالثاً: الجانب الروحي (الاتصال بالله)
مهما بلغت المؤسسة الدعوية والاجتماعية من التنظيم والقدرة والعلم فلن تنجح إلا إذا استمدت العون الرباني.. (نبذل الجهد البشري، ونحن نستمطر المدد الرباني -سيدقطب )
"التوفيق": هذا هو ما يميز الدعوات والأعمال الإسلامية.. بخلاف ما يقدمه اليهود والنصارى مثلا..
أمثلة من السيرة على أهمية الجانب الروحي:
- التخطيط المتقن للهجرة النبوية لم يكف!!.. فتأتي: ((لاتحزن إن الله معنا)).
- يوم بدر وقف النبي صلى الله عليه وسلم يتضرع حتى سقط رداؤه من كتفه.. (اللهم إن تهلك هذه العصابة لاتعبد في الأرض)
- لمّا انهزم المسلمون يوم أحد تساءلوا عن سبب الهزيمة.. فكانت الإجابة: ((قل هو من عند أنفسكم))
- (( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا))
العاملون ومحبة الله:
في الحديث القدسي يقول الله تعالى: (( من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه))
هذا الحديث دليل على أهمية الجانب الروحي في نجاح الداعية ودعوته، فقد تكفّل الله بمحاربة مَن عادى أولياءه، وبيّن كيف يصل العبد إلى مرتبة الأولياء:
- المحافظة على الفرائض.
- الاستمرار بالتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحصّل محبة الله.
- إذا أحبه الله صارت جوارحه تتحرك بهداية من الله .. (التوفيق الرباني لفعل الخير)
- ثم صار مجاب الدعوة، مُعاذاً من كل سوء.
هل تحس بضعف الإيمان؟ كيف نقوي الإيمان في أنفسنا؟
أمور تقوي الجانب الروحي للعامل:
- فعل الأوامر، واجتناب النواهي.. والتوبة الصادقة عند ارتكاب المعصية
- تقوى الله في السر والعلن.. (اتق الله حيثما كنت)
- الاجتهاد بالنوافل.. هكذا.."الاجتهاد".. دون تحديد قدر من النوافل!!.. لكن رقي العامل مربوط باجتهاده..
- تلاوة القرآن وحفظه.. (القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب)
- القراءة في كتب الرقائق وتأمل أحوال السلف..
- أعمال القلوب: دائماً يغفل عنها العاملون.. فإذا ذكرنا (الجانب الروحي) تبادر إلى الذهن نوافل العبادات وهذا جانب من الأعمال الظاهرة، وتبقى عبادة القلب: الإخلاص، الخشية،محبة الله ، محبة الخير للغير، تنقية القلب من الغل والحسد، تدبر آيات الله الشرعية والكونية....
- حضور جلسات الوعظ، وحلق الذكر.. (تعالوا بنا نؤمن ساعة) قال مالك بن دينار: إني لأجلس في المجلس أسمع الحديث وأنا أعرفه قبل أن يولد المحدث رجاء بركة المجلس..
- المحاسبة..
تنبيهات حول جوانب الشخصية : (العلمي ، العملي ، الروحي)
1) تحصيل الحد الأدنى من كل جانب: (أدومه وإن قل)
- العلمي: فقه المسائل التي يحتاجها عامة الناس، والتي يحتاجها العامل في عمله.
- العملي: العمل الدائم المتقن ضمن مؤسسة دعوية، وإن كان يسيراً..
- الروحي: فعل الواجبات والبعد عن المحرمات، والتوبة عند التقصير.. مع الاجتهاد في النوافل.
2) التميّز في أحدها:
العاملون يختلفون في ميولهم وقدراتهم، وربما كان أحد هذه الجوانب أقوى عند البعض من الآخر، فهنا ينبغي عليه أن يسمو فيه..
3) عدم تقديم جانب على آخر: (الموازنة)
بعض العاملين يجد في نفسه محبة لطلب العلم والقراءة، فيجنح إلى مصاحبة الكتب والانفراد بها، ويقضي أيامه بين أدراج المكتبات، فتعتاد نفسه التعامل مع الجمادات "الأوراق"، ويفقد مع الزمن مهارات الاتصال مع الناس ومراعاة "المشاعر" والصبر على الأذى..
بعض العاملين يميل إلى الأعمال الحركية والأنشطة الجسدية، فيهمل التفقه، ومع الأيام يكبُر جهلُه، ويضيق أفقُه، وتضمحلُّ ثقافته.
بعض العاملين يجد في نفسه إقبالاً على العبادات والنوافل.. ويهمل الجوانب الأخرى، وتكون منفعته لنفسه فحسب.. يصدق فيه قول ابن المبارك:
ياعابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فدماؤنا بنحورنا تتخضب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا وهج السنابك والغبار الأطيب
كيف نوسع دائرة العاملين؟
عندما نتأمل في السيرة النبوية نجد أن دائرة العاملين كانت تتسع بشكل كبير.. يسلم الرجل ثم يبدأ مباشرة بالدعوة والعمل.. فلماذا؟
- لابد أن تدرس المؤسسة الدعوية توسيع دائرة العاملين، وترسم لذلك الخطط.
- هناك تجارب من الواقع على توسيع دائرة العاملين منها على سبيل المثال: تجربة (قافلة الخير بالمنطقة الشرقية):
المستفيدون دخلوا في برنامج (أصدقاء القافلة)، حيث صمم لأصدقاء القافلة برامج دعوية متنوعة (رحلات عمرة وحج، ولقاءات أسبوعية، مسابقات، أمسيات..) انتقل المستفيدون خلال هذه البرامج إلى دائرة العاملين.. بعد سنوات قليلة من انطلاقة القافلة صار كثير من العاملين فيها هم من (أصدقاء القافلة)!.
وللحديث صلة..
ليست هناك تعليقات:
أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال