أمالي الزنيدي.. في الثقافة الإسلامية ((7))*
ماذا عند المثقف الإسلامي وماذا قدم؟
تقدم معنا أن النخبة العصرانية أخذت حقها من التطور والتمكين واكتملت تجربتها.. أما النخبة الإسلامية فلا زالت في طور الإعداد والتبلور، بل في طور ارتباك ما قبل التشكل ، لكن لا يمنع من أن نقرأ ما هو قائم في إطار هذه النخبة.. والحكم في كلامنا هنا للعموم وليس حكما شاملاً للجميع.
إيجابيات المثقف الإسلامي :
1) الإخلاص للأمة وصدق طلب النهوض بها والتزام منطلقها الحضاري الذي هو الإسلام:وليس هذا غريباً بل هو أساس وجود المثقف نفسه، لكن يسوغ إيراده في المقارنة بينه وبين المثقف العصراني.. وقد دل على ذلك عدة دلائل منها:
- ثباته مع الإسلام في وقت تُشَنُّ على الإسلام هجمة شرسة من أعدائه.
- مقاومته للغزو الثقافي في وقت تتكالب جميع القوى لغزو العالم الإسلامي.. وبالطبع هناك استثناءات للانتهازيين الذين يلبسون لباس الإسلام ولهم مصالح شخصية أو حزبية ، وسنة الله في أمثال هؤلاء أنهم يسقطون .. أسماهم “عامر الديك” (المثقفون المدجنون): هم الذين يتنازلون عن قناعاتهم رعاية لمصالحهم الذاتية.. وبعضهم بسميهم (تجار الثقافة!)..
- العودة للإسلام بمعنى الشعور والولاء للإسلام.
بصفته قاعدة النهوض الحضاري للأمة والاقتناع بشموليته لجوانب الحياة .. وقد يحدث خلل هنا عند بعض المثقفين الذين يتفاعلون بقوة مع الواقع وتحولاته ، فيشتد الضغط عليهم فربما تنازلوا عن بعض الأحكام الشرعية وحاولوا المماهات بين هذا وذاك..
3) تثقيف الأمة شرعياً:
لقد أوجدت هذه النخبة في الأمة ثقافة شرعية عامة استطاعت خلال فترة وجيزة أن تحرر كثيرا من المسلمين من حياة الخرافة والدجل التي كانوا يعيشونها وأن تصحح مفاهيم كانت مشوهة لديهم في الجانب العقدي والعبادي.
4) حمت الأمة من الاغتراب:
هذه النخبة حمت الأمة والمسلمين من الوقوع في العدمية والاغتراب. بحيث أوجدت أمانا نفسيا لدى المسلمين في ظل تخلف حضاري ماحق يعيشونه وذلك عندما قوت صلتها بالله.
5) مقاومة الغزو الفكري:
الذي كان طاغيا وعميقا وغير متكافئ.. غزوٌ مقتحم متسلح على أناس لا عُدَّة معهم ولاقوة لديهم.. فقاومت هذه النخبةُ الغزو واحتفظت للأمة بوجودها الحضاري.
6) سعت بالأمة نحو العتبة الأولى في المدرج الحضاري والارتقاء بها:
فأقنعت الأمة بفساد هذه الحلول واتجهت للحل الإسلامي ، فتهيأت الأمة للنهوض الحضاري وهذه هي العتبة الأولى..
7) بعث حركة الاجتهاد:
حيث أن باب الاجتهاد أغلق في فترة سابقة وأصبح نوعاً من الخروج عن الدين كما اتهم بذلك عدد من المصلحين كالشيخ محمد بن عبدالوهاب.. أما الآن فقد أصبح الاجتهاد مطلبا لدى الجميع.
8 ) الارتباط بالكتاب والسنة ورد الاعتبار للنصوص الشرعية:
وقد تضاءل أمر النصوص الشرعية في العصور المتأخرة ، فصارت لا تُقرأ إلا للبركة! وربما اعتُبِرت من مصادر الضلال عند بعض علماء المسلمين كما قال أحدهم: إن القراءة المباشرة للنصوص تورده للضلال!!.
9) أن خطابها يجمع بين النخبوية والجماهيرية:
فليس نخبويا بحتا كالنخبة العصرانية منعزلا عن الناس وليس وعظا جماهيريا ، وإنما جامعا للأمرين معاً ففيه تنظيرات وحركة اجتماعية عامة مناسبة للناس في مستواها الفكري وفي واقعيتها في الفتوى والوعظ الإيماني وغيرها.
المثقف الإسلامي والإبداع :
المثقف الإسلامي عنده أمران: الفتوى ، والإبداع .
الفتوى تحدد الحكم الشرعي في أحداث الواقع بمعنى تطبيق أو وزن الواقع بميزان الشرع من حيث هو مقبول أو مردود بمعنى تطبيق الأحكام الشرعية على مجريات الحياة ، وهذا لا يعنينا الآن إنما الذي يعنينا هو الجانب الآخر وهو (الإبداع).
المقصود بالإبداع: إقامة أنساق اجتماعية في السياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام والمجال العسكري والجوانب الإدارية.. أي في شتى جوانب الحياة المدنية.. بمعنى تأسيس بُنَى تكون هذه البُنى مرتكزة على الوحي من جهة ومحققة للمصالح الوقتية من جهة أخرى..
وهنا يتضح الفرق الجوهري بين الإبداع والفتوى.. فالفتوى حكم على واقع موجود، بينما الإبداع هو صياغة الواقع.
لاشك في وجود قصور لدى النخبة المثقفة الإسلامية في هذا المجال.. وعند هذه النخبة اعتذارات:
- حيث أنها لازالت في طور النشوء والإعداد.
- وأنها لم تتمكن واقعيا.. والأصل في الإنضاج لهذه البنى أنها لاتنضج إلا بالتطبيق.
وفي الوقت الراهن هناك جهود إبداعية تُحسب للنخبة الإسلامية.. هناك تنظيرات في المجال السياسي والاقتصادي وفي سائر المجالات.. وهي إبداعات نظرية تتراكم ..
أما في الجانب العملي فثمة نقص واضح .. ويمكن أن يحسب للنخبة الإسلامية في المجال العملي:
- سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية ، لأنه لا يوجد في القديم سياسات تعليمية، أما السياسات الموجودة في وقتها كانت كلها مصوغة على النسق الغربي.. أما هذه السياسة فصاغت صورة للمؤمن المعاصر. فهي فكرة إبداعية في ذاتها .
- مجلس الشورى في السعودية ، وهو محاولة لصياغة نمط شورى إسلامي معاصر.
======
(*)هذه الصفحات تلخيصٌ مقارب لأمالي البرفسور الشيخ عبدالرحمن الزنيدي حفظه الله حول الثقافة: مفهومها، وأسسها، وواقعها بين المثقفين العصرانيين والإسلاميين. وقد ساهم معي في إخراج هذا العمل مجموعة من الزملاء وهم: عبدالرحمن آل خلف، ودعفس الدعفس، وإبراهيم الفوزان.. شكر الله لهم جهودهم وعطاءهم. أسأل الله تعالى أن ينفع الجميع بهذه الأمالي: ممليها ومن ساهم في جمعها وكاتبها وقارئها.
(*)هذه الصفحات تلخيصٌ مقارب لأمالي البرفسور الشيخ عبدالرحمن الزنيدي حفظه الله حول الثقافة: مفهومها، وأسسها، وواقعها بين المثقفين العصرانيين والإسلاميين. وقد ساهم معي في إخراج هذا العمل مجموعة من الزملاء وهم: عبدالرحمن آل خلف، ودعفس الدعفس، وإبراهيم الفوزان.. شكر الله لهم جهودهم وعطاءهم. أسأل الله تعالى أن ينفع الجميع بهذه الأمالي: ممليها ومن ساهم في جمعها وكاتبها وقارئها.
ليست هناك تعليقات:
أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال