أمالي الزنيدي.. في الثقافة الإسلامية((6))
نسبة المثقف للإسلام:
سبق الحديث عن النسبة، فالإسلامي هو المنسوب للإسلام وحقيقة الانتساب تكون بالتزام المنتسِب بالمنتَسَب إليه. فالمثقف الإسلامي هو الملتزم في فعله الثقافي بالإسلام في مبادئه الكلية وتشريعاته التفصيلية.. والإسلاميون يتفاوتون بحسب التزامهم بتلك المبادئ والتشريعات.
نشأة المثقفين الإسلاميين:
سابقا كان العالم الشرعي هو المثقف فكان عارفا بمجتمعه متماسا به وناقدا إلى غير ذلك .. واستمر الحال على ذلك فترةً حتى بدأت تخفت ثقافة العالم الشرعي وإن بقيت علميته، ثم جاءت الفلسفة اليونانية - وهي نزعة تنزع بالإنسان عن الواقع وهي مجرد كلام لذا كانت تسمى علم الكلام - فأصبحت تنزع العالِم عن الساحة، لكن بقي الفقيه وأصابه ما أصاب غيره فتهمش دوره خاصة في الجانب السياسي.
فانعزل العالم الشرعي عن واقعه، وبعد خروج المشعوذين وشيخ القبيلة قَلَّ دوره وتهمش ، وصارت تدار الحياة بعيدا عنه إلا في أشياءَ قليلة، بمعنى أن العالم الشرعي ليس له دور في الواقع.. وأكبر شاهد على ذلك تلك الفترة التي كانت قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب حين انتشر الشرك..
حينما بدأ التفاعل بين الأمة الإسلامية والغرب وأطل الغرب على الأمة الإسلامية إطلالة جديدة بطموح استعماري وتقدُّم مدني وتطلعت الأمة الإسلامية إلى التقدم فبدأت البعثات إلى الغرب من تركيا ومصر وسائر الأقطار.. وعندما ذهبت البعثات انبهرت بما عند الغرب من الحراك الثقافي، فبحثوا عن سبب تقدمهم فوجدوا فئةً مختلفة المشارب والفنون (علماء القانون والاجتماع..) هم الذين يمثلون دور الرواد والمجتمع بمؤسساته تابع لهم.. فظنوا أنهم هم السبب في التقدم سواءا كانوا استشاريين أو كتاب .. فرجع المبتعثون إلى بلادهم وأرادوا أن يأخذوا دور أولئك الذي يسمون في مجتمعهم المثقفين.. أرادوا أن يتفاعلوا مع مجتمعهم بالحمولة التي جاءوا بها من الغرب من مصطلحات ومفاهيم ليبنوا واقع الأمة الإسلامية عليه.
لكن هذا أثار غيرة أناسٍ قالوا: إن هذا مسار خطير لن يحقق للأمة الإسلامية النهوض ولن تحافظ معه على هويتها . فلابد من عمل لمواجهة هذه الحركة (المبتعثون المثقفون العصرانيون).
أصحاب هذه الغيرة متنوعون.. بدأوا يقدمون أنفسهم بصفتهم تعويض عن العالم الشرعي(وكثير منهم ليسوا متخصصين في علوم الشريعة) وبديل للمثقف العصراني الخطير على الأمة، وبذلوا جهوداً في هذا الباب..
في البداية كان الحراك صيحات تحذيرية للأمة عن خطر هذه الحلول المستوردة .. وقد أدى هذا الجهد دوره بأن عادت الأمة لدينها وربِّها عبر عوامل كثيرة كانت جهودهم من ضمنها.. وبدأ هؤلاء يبرُزُون وظهر ما يسمى بالصحوة الإسلامية أو اليقظة الدينية وتطلبت بأن يكون لها قيادات فكرية ، ومؤسسين ، ومراكز..
وهذه الصحوة يمكن أن يؤرخ لها بعد نكسة عام 67م لكن لم تتبلور إلا مع بدايات السبعينات الميلادية..
من هو المثقف الإسلامي؟
لدينا أناس يوسمون بـ"الدعاة"، وأناس: "علماء شرعيين"، وأناس: "مفكرين إسلاميين"؛ فهل كلهم يسمون مثقفين إسلاميين؟
من خلال هذا التساؤل يحسن بنا أن نستعرض ثلاث خطوط من خلالها نفرز ما يسمى بالمثقف الإسلامي بغض النظر عن تسميته الخاصة (داعية، عالم، مفكر..):
الخط الأول /
الانفصال عن الواقع المتحرك ، والواقع يشمل أمرين :
الخط الثاني /
وهو الذي يمتلك أصحابُه وعياً بالواقع وتصوراً كافياً بمعطياته، على نحوٍ يتجاوزُ السطحَ إلى العمق، وله قٌدرَة ٌعلى تحليل الواقع بشكل علمي.. لكن المشكلة عند هذه الفئة الفقر في فقه الشريعة لأن دراستَهم دراسة مدنية في الغرب أو في جامعات على النمط الغربي.. لكن لديهم غيرة دينية تدفعهم للدفاع عن الإسلام ، إلا أنهم يقعون دائما في الأخطاء.. ويمكن أن يُمثل لهم بمن حاول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية من خلال اتباع منهج خاطئ، فردَّ عليه الشيخ جعفر إدريس بقوله: أنت فرويد لكن بلحية!!
الخط الثالث /
لدى أصحابه فقه في الشريعة ووعي بالواقع وهمة في تعميق الشرع في واقع الناس، ولديهم واقعية في الساحة الاجتماعية .
وهذا الخط مبدئيا هو الذي يدخل في مصطلح "المثقف الإسلامي".
سبق الحديث عن النسبة، فالإسلامي هو المنسوب للإسلام وحقيقة الانتساب تكون بالتزام المنتسِب بالمنتَسَب إليه. فالمثقف الإسلامي هو الملتزم في فعله الثقافي بالإسلام في مبادئه الكلية وتشريعاته التفصيلية.. والإسلاميون يتفاوتون بحسب التزامهم بتلك المبادئ والتشريعات.
نشأة المثقفين الإسلاميين:
سابقا كان العالم الشرعي هو المثقف فكان عارفا بمجتمعه متماسا به وناقدا إلى غير ذلك .. واستمر الحال على ذلك فترةً حتى بدأت تخفت ثقافة العالم الشرعي وإن بقيت علميته، ثم جاءت الفلسفة اليونانية - وهي نزعة تنزع بالإنسان عن الواقع وهي مجرد كلام لذا كانت تسمى علم الكلام - فأصبحت تنزع العالِم عن الساحة، لكن بقي الفقيه وأصابه ما أصاب غيره فتهمش دوره خاصة في الجانب السياسي.
فانعزل العالم الشرعي عن واقعه، وبعد خروج المشعوذين وشيخ القبيلة قَلَّ دوره وتهمش ، وصارت تدار الحياة بعيدا عنه إلا في أشياءَ قليلة، بمعنى أن العالم الشرعي ليس له دور في الواقع.. وأكبر شاهد على ذلك تلك الفترة التي كانت قبل الشيخ محمد بن عبد الوهاب حين انتشر الشرك..
حينما بدأ التفاعل بين الأمة الإسلامية والغرب وأطل الغرب على الأمة الإسلامية إطلالة جديدة بطموح استعماري وتقدُّم مدني وتطلعت الأمة الإسلامية إلى التقدم فبدأت البعثات إلى الغرب من تركيا ومصر وسائر الأقطار.. وعندما ذهبت البعثات انبهرت بما عند الغرب من الحراك الثقافي، فبحثوا عن سبب تقدمهم فوجدوا فئةً مختلفة المشارب والفنون (علماء القانون والاجتماع..) هم الذين يمثلون دور الرواد والمجتمع بمؤسساته تابع لهم.. فظنوا أنهم هم السبب في التقدم سواءا كانوا استشاريين أو كتاب .. فرجع المبتعثون إلى بلادهم وأرادوا أن يأخذوا دور أولئك الذي يسمون في مجتمعهم المثقفين.. أرادوا أن يتفاعلوا مع مجتمعهم بالحمولة التي جاءوا بها من الغرب من مصطلحات ومفاهيم ليبنوا واقع الأمة الإسلامية عليه.
لكن هذا أثار غيرة أناسٍ قالوا: إن هذا مسار خطير لن يحقق للأمة الإسلامية النهوض ولن تحافظ معه على هويتها . فلابد من عمل لمواجهة هذه الحركة (المبتعثون المثقفون العصرانيون).
أصحاب هذه الغيرة متنوعون.. بدأوا يقدمون أنفسهم بصفتهم تعويض عن العالم الشرعي(وكثير منهم ليسوا متخصصين في علوم الشريعة) وبديل للمثقف العصراني الخطير على الأمة، وبذلوا جهوداً في هذا الباب..
في البداية كان الحراك صيحات تحذيرية للأمة عن خطر هذه الحلول المستوردة .. وقد أدى هذا الجهد دوره بأن عادت الأمة لدينها وربِّها عبر عوامل كثيرة كانت جهودهم من ضمنها.. وبدأ هؤلاء يبرُزُون وظهر ما يسمى بالصحوة الإسلامية أو اليقظة الدينية وتطلبت بأن يكون لها قيادات فكرية ، ومؤسسين ، ومراكز..
وهذه الصحوة يمكن أن يؤرخ لها بعد نكسة عام 67م لكن لم تتبلور إلا مع بدايات السبعينات الميلادية..
من هو المثقف الإسلامي؟
لدينا أناس يوسمون بـ"الدعاة"، وأناس: "علماء شرعيين"، وأناس: "مفكرين إسلاميين"؛ فهل كلهم يسمون مثقفين إسلاميين؟
من خلال هذا التساؤل يحسن بنا أن نستعرض ثلاث خطوط من خلالها نفرز ما يسمى بالمثقف الإسلامي بغض النظر عن تسميته الخاصة (داعية، عالم، مفكر..):
الخط الأول /
الانفصال عن الواقع المتحرك ، والواقع يشمل أمرين :
- الحركة الفردية للناس في عباداتهم وأخلاقهم..
- الحركة المدنية للناس مثل التطبيقات السياسية والاقتصادية والمشكلات الكبيرة والفنون والآداب..الخ.
الخط الثاني /
وهو الذي يمتلك أصحابُه وعياً بالواقع وتصوراً كافياً بمعطياته، على نحوٍ يتجاوزُ السطحَ إلى العمق، وله قٌدرَة ٌعلى تحليل الواقع بشكل علمي.. لكن المشكلة عند هذه الفئة الفقر في فقه الشريعة لأن دراستَهم دراسة مدنية في الغرب أو في جامعات على النمط الغربي.. لكن لديهم غيرة دينية تدفعهم للدفاع عن الإسلام ، إلا أنهم يقعون دائما في الأخطاء.. ويمكن أن يُمثل لهم بمن حاول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية من خلال اتباع منهج خاطئ، فردَّ عليه الشيخ جعفر إدريس بقوله: أنت فرويد لكن بلحية!!
الخط الثالث /
لدى أصحابه فقه في الشريعة ووعي بالواقع وهمة في تعميق الشرع في واقع الناس، ولديهم واقعية في الساحة الاجتماعية .
وهذا الخط مبدئيا هو الذي يدخل في مصطلح "المثقف الإسلامي".
تصنيف تقريبي لفئات المثقفين الإسلاميين :
هناك فئتان ممكن إدراجهما في المثقفين الإسلاميين هما:
1 ) ذووا المنهجية الشرعية :
ذووا المنهجية الشرعية (النقلية) الذين أثرت عليهم الدراسات النقلية ( التفسير ، الحديث ، العقيدة وهكذا …. ) سواء كانوا علماء شرعيين أو كانوا ممن عنده دراسات في هذا الجانب . وتتبلور شخصيتهم من خلال عناصر تتجلى في عطائهم منها:
- استحضار النصوص الشرعية، وكثيرا ما تتغلب النصوص الشرعية على كلماتهم فضلا عن استشهاداتهم.
- الشمولية في معالجة القضايا، وإن كان التركيز الأكبر على الجزئيات وحتى دراساتهم في الكليات هي دراسات حكمية أي إعطاء فتاوى..
- انتحال الأسلوب التعليمي (أسلوب التدريس : تقسيم الأشياء ، تحليل العناصر ، المستفادات ، المسألة ودليلها ، ونحو ذلك )
2) أصحاب المنهجية الفكرية:
وكثير من هؤلاء هم من أصحاب التخصصات المعاصرة مثل القانون وعلم الاجتماع وعلم النفس..الخ ، ولديهم خلفية شرعية لكنها ليست بالدرجة التي صبغت منهجيتهم.
وتستبين شخصيتهم من خلال عناصر عطاءهم ونتاجهم المقابلة للعناصر السابقة:
- عدم أو قلة استحضار العلوم الشرعية .
- ينحو منحى الشمولية: يتحدثون في الكليات فقط وينأون عن الجزئيات لأنها تحتاج إلى فتاوى لا يقوم بها أمثالهم.
- أسلوبهم يختلف عن السابقين، وقد يقتربون منهم، لكنَّ الغالبَ هو الأسلوب الفكري، بمعنى أنه يعالج القضية في صفحتين أو ثلاث.. حيثُ يلهثُ القارئُ وراءَهم كي يعرف مرادهم.. وصفهم مصطفى كمال (المصري) بقوله: "هؤلاء يبيعون بالجملة لا بالمقطع!!". ويُمثَّل لهم بمالك بن نبي، وعماد الدين خليل، وطارق البشري، وجمال الدين عطية، والمودودي، ود. عبدالكريم بكار، وعبدالكريم بن عثمان الفاسي ، ومحمد قطب، وإن كان الأخيران يقتربان من الصنف الأول..
عودة إلى نسبة "الإسلامي" في كلامنا ( المثقف الإسلامي ) وهو الذي استقام على المنهج الإسلامي، لكن ما حدود هذه الإسلامية؟
الذي نراه أن كل ما هو مقبول في الدائرة الإسلامية فهو إسلامي.. وبناء على ذلك فالمثقف الذي عطاؤه بشكل عام داخل الدائرة الإسلامية يطلق عليه وصف "مثقف إسلامي"، فمثلاً: عبدالله الجعيثن الكاتب المعروف.. كتاباته ليست كتابات داعية ولا عالم شريعة لكنها منضبطة بضابط الإسلام فهو إذن في هذه الدائرة.
======
(*)هذه الصفحات تلخيصٌ مقارب لأمالي البرفسور الشيخ عبدالرحمن الزنيدي حفظه الله حول الثقافة: مفهومها، وأسسها، وواقعها بين المثقفين العصرانيين والإسلاميين. وقد ساهم معي في إخراج هذا العمل مجموعة من الزملاء وهم: عبدالرحمن آل خلف، ودعفس الدعفس، وإبراهيم الفوزان.. شكر الله لهم جهودهم وعطاءهم. أسأل الله تعالى أن ينفع الجميع بهذه الأمالي: ممليها ومن ساهم في جمعها وكاتبها وقارئها.
ليست هناك تعليقات:
أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال