ضوابط مهمة في التقويم :
كي لا تتباين العقول في فهمها واستيعابها وكي لا يؤدي غموض العبارة إلى تأويل أو تفسير بعيد .ذكر السبكي عن صفات المقوم : ” أن يكون حسن العبارة ، عارفاً بمدلولات الألفاظ ، حسن التصور بحيث يتصور حين ترجمة الشخص جميع حاله ويعبر عنه بعبارة لا تزيد عنه ولا تنقص ” .
* لابد من تحديد الصفة التي يضعف الشخص لأجلها :
كي لا يتهم المقوَّم بالضعف الإجمالي . والنقص في بني آدم وارد . ومثل ذلك لا يصح التعديل المطلق إذا الكمال عزيز .
والمقصود : المصلحة العامة .
والمقصود : المصلحة العامة .
- وهذا هو أبو ذر رغم امتداح النبي صلى الله عليه وسلم له إلا أنه رأى من ضعفه ما يمنعه من ولاية المسلمين أو ولاية المال ، فقال له : ” إني أراك يا أبا ذر ضعيفاً ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمَّرنّ على اثنين ولا تولَّينّ مال يتيم ” [ متفق عليه ] .
- وهكذا ” أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل استعطافاً لأقاربه الذين بعثه إليهم على من هو أفضل منه ، وأمَّر أسامة بن زيد لأجل ثأر أبيه ، وكذلك كان يستعمل الرجل لمصلحة راجحة ، مع أنه قد يكون مع الأمير من هو أفضل منه في العلم والإيمان ” [ الفتاوى 28/ 256 ] .
- وقال عليه الصلاة والسلام للأشج ( أشج عبد القيس ) : “إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ”
- وقال عن زيد : ” وأيم الله إنْ كان لخليقاً للإمارة ” رغم أنه لم يكن من كبار الصحابة .
- وقال في القرُّاء : ” استقرءوا القرآن من أربعة .. ” .
- وقال : ” لكل أمة أمين .. ” .
*أُكْسُ ألفاظك أَحْسَنَها :
-على الجارح أنه يستعمل أجمل الألفاظ في التجريح ولا يركن إلى التشديد منها عند وجود السهل
-روي عن المزيني أنه قال : ” سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول : فلان كذاب. فقال لي : يا إبراهيم أكس ألفاظك أحسنها . لاتقل كذاب ولكن قل : حديثه ليس بشيء ..ونحوه أنَّ البخاري كان لمزيد ورعه قل أنه يقول : كذاب أو وضاع ، أكثر ما يقول :سكتوا عنه ، فيه نظر، تركوه ، ونحو هذا . نعم ربما يقول : كذب فلان ، أو رماه فلان بالكذب ..” [الإعلان بالتوبيخ للسخاوي] .
* التغير سُنَّة كونية:
-لابد لعملية التقويم أن تتغير مع تبدل الزمان ، وأن لا يقتصر الدعاة والمربون على تقديم مرحلة معينة .
* المعتبر الصفات الملازمة :
ولا ينبغي الاعتماد في المدح أو القدح على الصفات الطارئة . وقد عذر الرسول صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة - رغم الجرم الكبير - لسابقته في بدر وقال لعمر : ” وما يدريك يا عمر ، لعل الله اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر ، فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم ” .
- وسيأتي مزيد إيضاح عن موضوع ( إحسان الظن ) وقاعدة ( الموازنة بين الحسنات والسيئات ) .
* ليس النقد تأثيماً :
فالذي يجيد في شيء لا يجيد كل شئٍ ، والكمال عزيز..
- “وقد قالوا لعمر بن الخطاب في أهل الشورى : أمر فلان وفلان ، فجعل ذكر في حق كل واحد من الستة - وهم أفضل الأمة - أمراً جعله مانعاً له من تعيينه ” الفتاوى 28/231- وليس في نقصان كل صفه عيبٌ أو تأثيم إثم ٌ . وقد أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على أبي ذر في مواطن عديدة ومنع عنه الإمارة .
- قال أيوب السختياني :” رُبَّ أخٍ من إخواني أرجو دعاءه ، ولا أقبل شهادته “[الجامع لأخلاق الراوي 2/ 259]
*اعرف الحقَّ تعرف أهله :
إنه من أسباب الاضطراب في التقويم : التعصب لأقوال الرجال
-” وهذه عادة ضعفاء العقول : يعرفون الحق بالرجال ، لا الرجل بالحق “والعاقل يقتدي بسيد العقلاء علي بن أبي طالب حيث قال : لا تعرف الحق بالرجال بل اعرف الحق تعرف أهله ” [المنقذ من الضلال/أبو حامد الغزالي ] . ثم قال :-” والعاقل يعرف الحق ، ثم ينظر في القول نفسه فإنه كان حقاً قبله سواء كان قائله مبطلاً أو محقاً ، بل ربما يحرص على انتزاع الحق من أقاويل أهل الضلال ..”
*احتكار بالمعروف :
على الرغم من أن الحديث في النقد شامل لجميع من يتقيد بضوابط النقد وشروطه إلا أن هذا محدد بمن تمس الحاجة إلى تقويمه وفي ظروف خاصة .وإلا فالأصل في عملية التقويم أن يقوم بها الأمراء وكبار الرعاة ممن تسلموا منصة التوجيه واحتكار العمل التقويمي على المسؤولين أولى ، لعدة أسباب منها :
1- أن المسؤول عن عمل ما أقدر من غيره على اختيار من يصلح معه لذلك العمل .
2- دفعاً للمفسدة ، وغلقاً لأسباب السوء ، وسد الذريعة على طرق النجوى ، ومسلك الغيبة .
3- أنهم أقدر على وضع العملية موضعها الصحيح والالتزام بضوابطها.
4- وكذلك غلبة الأمر بمعرفتهم الأوسع بعلوم الشرع والواقع ، وما يستندون عليه من أدله وقرائن وممارسات تمكنت منها عقولهم على مر الأيام .
5- أنهم أعلم بمقاصد الولاية ، ومقادير الحاجة إليها ،والخصائص التى يبنى الترشيح على أساسها .
ومع هذا فينبغي تذكيرهم باستمرار ووعظهم بأهمية الإخلاص والتقوى والورع وحفظ اللسان أثناء التقويم .
وعند التأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نجد أغلب من تولى هذه العملية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نقل من تقويم الصحابة أكثره كان بعد وفاته .
والأمراء هم أشبه - في عملية التقويم - بعلماء الجرح والتعديل الذين تولوا تقويم الرواة بينما امتنع عنها أكثر أهل العلم حتى علماء الحديث وشراحه لم يتصدَّ لهذه المهمة منهم إلا الجهابذة كالبخاري ومسلم والنسائي وابن معين ونحوهم من الأفذاذ .
((وللحديث صلة))
ليست هناك تعليقات:
أسعد بمشاركتك برأي أو سؤال